21 November 2024 11:46 AM

كلمة وزير العدل في نقابة محامي طرابلس
Arrière
11 October 2013

 

كلمة وزير العدل النقيب شكيب قرطباوي

في احتفال يوم المحامي في نقابة محامي طرابلس

يوم الخميس الواقع في 10/10/2013

      الزملاء الكرام،

      الحضور الكريم،

  يشرفني أن أقف بينكم اليوم ممثلاً فخامة رئيس الجمهورية وناقلاً اليكم تحياته وتهانيه بعيد المحاماة.

وأن يختار فخامة الرئيس محامياً و نقيباً سابقاً للمحامين لتمثيله في إحتفال المحامين بعيدهم فهو تقدير من رئيس البلاد لمحامي لبنان وتهنئة منه لهؤلاء المدافعين عن الحريات الأساسية، عن الديموقراطية وعن العيش معاً في هذا الوطن، وحتى في أصعب الأيام.

    زميلاتي وزملائي الأعزاء،

لم تأت المادة الثانية من قانون تنظيم مهنة المحاماة التي تنص على ان المحاماة تساهم في تقديم خدمة عامة، لم تأت هذه المادة من العدم بل من تراث عالمي كبير ساهم فيه لبنان منذ أقدم العصور إنطلاقاً من بيروت أم الشرائع ومن مدرسة الحقوق فيها، التي تبشر بعض الدلائل المستقاة من حفريات في وسط بيروت أننا قد نكون على مشارف إكتشافها. والمحاماة تبقى رسالة الدفاع عن الحقوق والعمل مع السلطة القضائية لإحقاق العدالة. فالمحاماة هي رسالة الدفاع عن الحقوق، حقوق المدعي وحقوق المدعى عليه، ومساعــدة القاضي في الترجيح فيمـــا

بينهما، وبالتالي إحقاق الحق، ولو كان هذا الحق نسبياً لأن الحق المطلق هو من صفات الرب خالق العالمين دون سواه.

   الحضور الكريم،

لن تكون كلمتي مملوءة بالعواطف على الرغم من أن الفرح يغمرني كمحام في يومنا هذا، ولن أكتفي بتهنئة نقابة طرابلس وتوأمها نقابة بيروت ومجموع المحامين اللبنانييــــن بعيدهــــــم، بل

-2-

سأحاول التذكير بمواضيع ثلاث عمل المحامون على إعلاء شأنها، عنيت بها العيش معاً بحرية ومحبة، فضلاً عن المستوى العلمي للمحامين واللبنانيين جميعاً، وصولاً الى ما نصبو اليه من سلطة قضائية مستقلة تنتصر للحق دون أن تحسب حساباً الاّ للقانون والضمير.

   أيها الزملاء،

المحامون مثال للعيش معاً بحرية وكرامة، وهم المدافعون عن هذا العيش معاً مهما اختلفت الديانات والمذاهب والتيارات السياسية. فاحترام الآخر واحترام وجوده وحق الاختلاف مفاهيـــم

أساسية راسخة في عمق أعماقكم. وهل ابلغ من وقوف نقيبنا بسام الداية على رأس تيارات المجتمع المدني في أسوأ أيام طرابلس الحبيبة دفاعاً عن السلم الأهلي وعن الحق في الإختلاف وعن الحوار بالكلمة لا بالرصاصة، هل ابلغ من ذلك الموقف الذي اتخذه نقيبنا في حينه ويتخذه نقيبنا اليوم ميشال خوري باسمنا جميعاً في الدلالة على مدى رسوخ ثقافة العيش معاً في نفوسنا؟

ويوم انبرى نقيبنا رشيد درباس متبرعاً في أواخر التسعينات للدفاع عن ملحن ومؤلف مسيحي اتهم خطأ بانه تعرض للدين الإسلامي، فهل من  مثال ابلغ عن رسوخ ثقافة العـــــــــيش معاً في

نفوسنا نحن معشر المحامين؟ لن اعدد مآثر نقابتي طرابلس و بيروت العديدة ولن اتطرق الى مواقف النقباء الحاليين والسابقين ومجالس النقابة الحالية والسابقة، يوم إنتهكت الحرية والسيادة وكانتا في خطر. فان ننسى، لن ننسى هاتين النقابتين الجريئتين عندما انكفأ الاخرون. وقد بقيتا الصوت الصارخ ولو في البرية.

   أيها الزملاء،

تميز اللبناني منذ بدايات القرن التاسع عشر على الاقل بمستواه العلمي المرتفع والذي جعل منه رقماً لا بد منه في منطقة الشرق الاوسط وفي سائر أنحاء العالم. واذا لم نحافظ على هذا التميز فسنفقد مع الوقت الثروة الأساسية التي يتمتع بها هذا الوطن. من هنا كانت دعوتي في مجلس الوزراء واكررها الان على مسامعكم جميعاً. إنني ضد اعطاء اي ترخيص لأي جامعة او لأي كلية في أي جامعة قائمة قبل صدور قانون التعليم الجامعي وقانون جودة التعليم المحالان من الحكومة الى المجلس النيابي. فتكاثر الجامعات ليس دليــل صحــة. فالنوعيــة أهم مـن الكميـــة،

-3-

والجامعات يجب ان تبني سمعتها على نتائجها لا على اليافطات التي تعلقها في الشوارع او على حفلات التخريج التي تتسم بالبذخ وبالمظاهر التي ليست دائماً في محلها.

من هنا دعوتي الى الجامعات القائمة، وأخص بالذكر منها الجامعة اللبنانية، للتشدد حفاظاً على المستوى العلمي المرتفع مهما كانت الصعوبات. ولا أخفي أنني سمعت مثل أي إنسان من بينكم شكاوى كثيرة عن المستوى العلمي غير المقبول في بعض الاحيان. ومن هنا دعوتي ايضاً الى نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس للتشدد في الاختبارات التي تجريانها لدخـــــول النقـــــابة

والتسجيل في الجدول العام مهما كانت الإعتبارات، فالاعتبار الأول والأخير يجب أن يبقى المستوى العلمي المرتفع، حفاظاً على المهنة وعلى لبنان.

   زميلاتي وزملائي، ايها السادة القضاة،

لن أتطرق الى موضوع القضاء باسهاب في يوم المحاماة واتركه لمناسبة أخرى قد لا تكون بعيدة، مكتفياً بالقول أن القضاء يقوم منذ حوالي السنتين بحركة داخلية غير مسبوقة إن لجهة زيادة الانتاجية ونوعيتها وإن لجهة تنقية النفس، وهي حركة لم يسبق لها مثيل في تاريخ لبنان ويتميز بها القضاء عن غيره. فلا الاصلاح السياسي وجـد طريقــه ولا الاصــلاح الاداري بـــدأ

خطواته، وينفرد الجسم القضائي في قيامه منذ سنتين، كما سبق وقلت، بحملة كبيرة لإزالة الشوائب من داخله. وانني الآن، وأمامكم جميعاً وخاصة امامكم ايها الزملاء المحامون  شركاء القضاة في احقاق العدالة، احيي الشجاعة المعنوية التي طبعت عمل التفتيش القضائي والمجلس التأديبي للقضاة والهيئة القضائية العليا للتأديب، وبالطبع عمل مجلس القضاء الاعلى ومكتب مجلس شورى الدولة. ولننظر الى نصف الكوب الملآن بدلاً من التطلع الدائم الى النصف الفارغ. الا أنني لا أنكر أن ما تم حتى الآن ليس إلاّ بداية الطريق الطويل الواجب سلوكه في كل الظروف، والحل الحقيقي الدائم يكون بتغيير جذري يتناول نظرة الناس الى القضاة ونظرة السياسيين اليهم ونظرة القضاة الى أنفسهم والى دورهم، ومساعدة المحامين لهم بشكل جدي. فالقضاء ثقة وهيبة، وهذه صفات لا تكتسب بالكلام وبالنصوص بل من خلال شعور عميق لدى المواطن بأن القاضي يقوم بواجبه في أسرع وقت ممكن مستنداً الى القانون والضمير دون سواهما. ولا أخفي أن دون ذلك عقبات كبيرة وكثيرة نتشارك في وضعها جميــعاً. إلاّ انه لا بـــد

-4-

من متابعة الطريق الطويل في سبيل استعادة القضاء لثقة المواطنين به واستعادة الهيبة التي يجب أن يتمتع بها.

  أيها الحضور الكريم،

أن يحتفل المحامون بيومهم أمر جميل، وأن نتشارك جميعاً في عيدهم أمر يفرحني ويفرحكم، أما ان يأتي يوم نصل فيه الى ما نصبو اليه من سلطة قضائية مستقلة يتشارك فيها المحامون والقضاة في إحقاق العدالة، فيبقى هدفنا من أجل لبنان دولة يسودها القانون والحق، لا يخاف أبناؤنا من العيش فيها، ويبقى لبنان وجهتهم الأولى والأخيرة بدلاً من البقاء فيه بانتظار الفرصة السانحة للخروج الى بلاد الله الواسعة. هنا تكمن مسؤوليتنا جميعاً والتحدي الذي يواجهنا في كل لحظة. فهل نحسن المواجهة؟

                                                                        عشتم، عاشت المحاماة، عاش لبنان