كلمة وزير العدل اللواء أشرف ريفي
في حفل اطلاق وثيقة حماية الاعتدال في مناسبة عيد الجيش
بيروت- الضبيه
1-8-2014
صاحبَ الغبطة/ البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي
معالي الوزير الاستاذ ياسين جابر
أصحابَ المعالي والسعادة والسيادة
أصحابَ الدعوة ومنظّمي الإحتفال
نلتقي اليوم في عيدِ الجيش اللبناني/ الذي أفخرُ أنني انتميت الى مدرسته منذ التحقت كتلميذٍ ضابطٍ في المدرسةِ الحربية. أهنّئ المؤسسةَ العسكريةَ بعيدها، متمنياً لها قيادةً وضباطاً وأفراداً التوفيقَ والنجاحَ في حمايةِ لبنانَ، عبرَ بسط سلطةِ الدولةِ/ بمؤسساتِها الشرعية على كامل أرضِها.
أيها الاصدقاءُ: أتوجهُ بالشكر لجمعية "بيت لبنان العالم" على تنظيمِ هذا الحفل تحت عنوان "حماية الاعتدال" أشكر لهم هذه المبادرة التي تعبّر عن حسٍ وطنيٍ، وعن وعيٍ لما نعيشُه من أحداثٍ وأخطار.
أيها الاصدقاءُ: نشأت في كنفِ عائلةٍ لبنانيةٍ مسلمة،في مدينتي طرابلس،مدينةِ التنوّع والانفتاح. أخذت عن والدي الكثيرَ من القيم واظبتُ على تطبيقِها في حياتي. فقد تربيّنا كما غالبيةُ اهلِنا، ونشأنا على الإعتدالَ واحترامَ الآخرونبذ التطرف، وعلى تقديس التفاعلَ الايجابي بين الأديانِ/ وخصوصاً بين الاسلامِ والمسيحية،هكذا كنا ونحن مستمرون بهذا النهج، لأن لا حياةَ لنا ولا مستقبلِ لابنائنا بدونِ الفهم الصحيح، لما تختزنه الاديانُ السماويةُ، من قيمٍ ومُثلٍ تعطي للحياةِ معناها، ولمفهومِ انسانية الانسان حقَه ومضمونَه، كقاعدةٍ للتفاعل بين البشر الى أيّ دين انتموا.
أيها الاصدقاء: من لبنانَ الرسالة الذي تحدثَ عنه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، عشنا هذه التجربة معاً، متساوين مختلفين ومتمايزين داخل الوطن الواحد والعائلة الواحدة، مؤمنين بأن الله سبحانه وتعالى خلقنا على صورتِه ومثالِه، الله هو العدلُ والمحبةُ والرحمة، التي من دونها لا نستحق أن نكون مسلمين ولا مسيحيين ولا مؤمنين. ما تختزنه المسيحيةُ وما يختزنه الاسلامُ من قيمٍ، لا يمكن للفئاتِ الضالةِ والمتطرفة أن تشوهَها.
نعيش على هذه الارض معاً منذ مئاتِ السنين. لسنا فصائلَ مختلفة، ولا احرفاً متنافرة، نعيش معاً كأبجديةٍ متناغمةٍ هي نتاجُ تاريخٍ من الاخوة والانتماء الى عيشٍ مشترك، وإلى قيمٍ مشتركة.
لقد مرّ نموذجُنا في العيش معاً، بتجاربَ مريرةٍ. اذ تعرّض لاختبارِ الحرب الاهليةِ التي لم تكن للأسفِ مجردَ حرب آخرين على ارضِنا فقط، بل كانت امتحاناً لنا مسلمين ومسيحيين، استخلصنا من خلالها أعمق العبر بعدما عشنا مآ سيَ كثيرةً وسالت دماءٌ بريئة وذُرفت دموعٌ كثيرةٌ. لم تكن طريقُنا في الخروج من الحرب سهلةً ومن الطبيعي ألا تكون . لكن كليّ ثقة أننا قادرون على اجتيازِها، لأن نداءَ الحياةِ المشتركة أقوى من صوتِ العنف والتطرفِ والموت.
اليوم وبكلّ واقعيةٍ أقول، أن الغالبيةَ العظمى من اللبنانيين، لا تريد العودةَ الى الحرب ولا الى الفوضى، بل تريد دولةً تقوم على أساسِ المواطنية وتحترم حريةَ الفرد وكرامتَه. الغالبيةُ العظمى من اللبنانيين عاشت السلامَ وعرفت معنى أن يكون المسلمُ والمسيحيُ في هذا الوطن، شريكين في مساحةٍ واسعةٍ من القيم الاخلاقية والدينية والانسانية، كما في الالتزام بحبِ لبنان، البلدِ الفريد، الذي يناضل لتثبيت صيغتِه الفريدة،هذه الصيغة التي لا تشبه ايَّ صيغةٍ اخرى في المنطقة، باتت حاجةً حضاريةً لنا وللعالم.
أيها الاصدقاء: لم يعد الاعتدالُ مجردَ كلمةٍ خشبية، يراد بها الهروبُ من مسؤوليةِ المواجهة. المعتدلونَ في هذه المنطقة هم أهلُ القضية وعليهم مسؤوليةُ ان يواجهوا بشجاعةٍ، كلَّ اشكالِ الاستبداد والارهاب التي هي ألوانٌ مختلفة لصورةٍ سوداء واحدة.
لذلك، ونحن نواجهُ الاستبدادَ الذي أغرق منطقتَنا بالدم، من سوريا الى العراق، والذي كَبَّل وطنَنا بمغامراتٍ مذهبية لا طاقة له على تحمّلِها، علينا في الوقت نفسِه، أن نواجهَ ردةَ الفعل المتطرفة التي وُلدت أو تمّ استيلادُها بفعلِ هذا الاستبداد.
لقد سبّبت الأنظمة الدكتاتورية، الكثيرَ من النتائج السلبية. وبات علينا الآن أن نكون اكثرَ وعياً وصلابةً للوقوف بوجه ما انتجه هذا المحورُ التوسّعي في سوريا والعراق ولبنان، حيث اُغرقت سوريا بدمِ ابنائِها، ووُضع العراقُ في أتونِ حربٍ مذهبية ، فيما سبقت كلَّ ذلك في لبنان حملةٌ إجراميةٌ ممنهجة هدفت الى القضاء على كلّ رموزِ الاعتدال من مسلمين ومسيحيين، بدءاً من شهيدِ لبنانَ الكبير الرئيس رفيق الحريري، وصولاً الى شهدائِنا بيار الجميل وجبران التويني وسمير قصير وباقي الشهداء الأبرار.
لا ننسى معكم يا صاحبَ الغبطة،أن هذا النظامَ المجرم اغتال في العام 1989 رمزَ الاعتدال سماحة المفتي الشهيد حسن خالد، لأنه أصرّ أن يكون جسرَ عبورٍ لقيامة لبنان، ولا يمكن أن ننسى وإياكم ما قام به باسمِ الكنيسةِ المارونية والمسيحيين، سلفُكم الكبير الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، الذي فتحَ أبوابَ بكركي لتقبّل التعازي بمفتي لبنان، في رسالةٍ للقتلة تقول: سقطتِ الحواجزُ بين اللبنانيين.اما انتم يا صاحب الغبطة فقد سجل لكم اهل طرابلس مشاركتكم الشخصية في تقديم العزاء بشهداء تفجير مسجدي السلام والتقوى، يوم اقدم المجرمون المعروفون على ارتكاب هذه الجريمة الارهابية على ابواب بيوت لله..
للقضاءِ على الاعتدال وتقويةِ المتطرفين، فجّروا الكنائسَ والمساجدَ، وفبركوا الملفات، وصنعوا المنظماتِ الارهابيةِ في نهر البارد وأمكنة اخرى، التي زرعوا هذه المنظمات في الجسدِ اللبناني كي يفجروَه من داخل، فوقفنا بوجهِهم وقفةَ رجلٍ واحدٍ، واحبطنا مؤامرَتهم التي ارادوا تمريرَها باسم الاسلام، وهو منها براء.
للقضاءِ على الاعتدال اغتالوا الشهداءَ في لبنان، فردَّ الشعبُ اللبناني في 14 آذار بأبهى ثورةٍ شعبيةٍ سلميةٍ حضارية مدنيةٍ اذهلت العالمَ، وألهمت التغييرَ في بلاد العرب.
للقضاء على الاعتدال، قتلوا في سوريا عشراتِ آلافٍ من الأبرياء السلميين العزل. اقتلعوا الحناجرَ بتهمةِ الغناءِ للحرية، قتلوا الأطفالَ، سلطوا اجهزةَ الامن لكي تقبضَ على الناس وتضعَهم في السجن الكبير.
للقضاءِ على الاعتدال، مارسوا البطشَ وساهموا بتفريخِ حالاتٍ متطرفةٍ عنفيةٍ كي يبرروا اجرامَهم.
للقضاءِ على الاعتدال مارسوا سياسةً مذهبيةً في العراق، وحاولوا تغييرَ هويتِه العربية.
أيها الاصدقاء: في مواجهةِ هذا الإرثِ الثقيل الذي اورثنا اياه الاستبدادُ، والذي يتضاعف خطرُه بفعل مجموعاتٍ متطرفةٍ نبتت في مستنقع الفوضى والعنفِ والتطرفِ والفهمِ الخاطئ للدين، ليس أمامنا الا أن نواجَه ارهابَ الاستبداد، والارهابَ الناتجِ عنه. لقد قلت سابقاً وأكرر إنَّ ارهابين لا يبنيان وطناً، وأضيف أن ارهابين لا يمكن ان يكونا عنواناً لهذه المنطقة من العالم. فأهلُ الاعتدال من كلّ الطوائف هم الأكثريةُ، وعلى عاتقهم محاربةُ ثقافة الموت التي أنتجتها أنظمةُ الاستبداد، والتي اعطت المنطقةَ اسوأ نموذجٍ من الارهاب والتطرف المرفوض.
لا داعشُ ولا أخواتِها يمثلون الاسلام. هؤلاء لا يمتّون للإسلامِ بصلة، فلا إسلامَ متطرفَ بل إسلامٌ واحدٌ، اسلامُ الرحمةِ والاعتدال.اسلامُ الشورى والديموقراطية. اسلامُ احترامِ حرّيةِ الانسان والخيارِ الحرّ، فلا إكراهَ في الدين، هذا هو الإسلام . هذا هو اسلامُنا وباعتزاز ننتمي اليه. .
ايها الحضور الكريم:
المواجهةُ مع هؤلاء وأمثالِهم يجب أن تقوم وهي بدأت فعلاً، على امتدادِ العالمين العربي والاسلامي، من المملكةِ العربية السعودية الى مصرَ وسوريا والعراق ولبنان. فهم وُجدوا كتركيبةٍ مشبوهةٍ تشوّه صورةَ الاسلام،و المواجهةُ معهم تقوم على المشاركةِ الاسلاميةِ المسيحية، وعلى قاعدةِ مواجهتِهم باعتبارهم جزءاً من منظومةِ الاستبداد.
لا أكثريات ولا أقليات في هذه المنطقة، بل أكثرية واحدة، تحتكم للعقل والاخلاق والدين وللاخوة الانسانية.
نحن نؤمن ان المسيحية اصيلة في هذا الشرق، وهي لا تحتاج الى شهادة من أحد ولا تحتاج الى حماية من احد. من هذه الارض انطلقت الرسالات السماوية، وهذا الوطن سيبقى ارض تفاعل الرسالات.
ايها الاصدقاء: على وقع الجرائم الكبرى التي ترتكب في بعض دول المنطقة تتعرض غزة لاعتداء ارهابي تمارسه اسرائيل. فهي خرقت باستهدافها للمدنيين والاطفال ، كل الشرائع الاخلاقية والانسانية، وسط شبه صمت مدو. لا بد لنا أن نعلن تضامننا مع الشعب الفلسطيني في غزة، وادانتنا هذه الجريمة الارهابية الكبرى. الانظار يجب ان تكون مصوبة الى فلسطين. هناك كانت القضية المركزية، وهناك يجب أن تبقى.
مرة جديدة هنيئاً للجيش اللبناني بعيده. كما اهنئ جمعية بيت لبنان العالم، على مبادرتها، واختم بالقول : نحن أهل الاعتدال الاكثرية. كونوا على يقين ان صوت العقل سينتصر على طيور الظلام.
احييكم جميعاً عشتم وعاش لبنان وطناً للحرية والاعتدال.