عقد في الرياض المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد تحت عنوان:"مكافحة الفساد مسؤولية الجميع". ورعى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز المؤتمر ممثلاً بأمير منطقة الرياض، الامير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز، وحضره عدد كبير من رؤساء هيئات مكافحة الفساد في الدول العربية،وممثلون عن المؤسسات الدولية وأصحاب الاختصاص.
وشارك وزير العدل اللواء أشرف ريفي في المؤتمر بصفتهرئيس الشبكة العربيةللنزاهة ومكافحة الفساد، يرافقه مدير مكتبه النقيب محمد الرفاعي، حيث القى كلمة شاملةحول كيفية مكافحة الفساد ودور الهيئات الأهلية والمجتمع المدني، بالاضافة الى تطوير التشريعات التي تساهم في مكافحة الفساد.
وقال ريفي :اسمحوا أن أبدأَ كلمتي بتوجيهِ شكري وتقديري الكبيرين إلى "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد" على حسن استقبالها وكرم ضيافتها،
وكذلكَ على مبادرتِها في تنظيمِ هذا المؤتمرِ الدوليِّ الهام، الذي يلتقي مع أهدافِ "الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد"، التي أتشّرفُ برئاستِها، والتي تَعُدُّ الهيئةَ من أعضائها البارزين،
ولا بدّ لي أيضًا في البداية أن أغتنمَ الفرصةَ لأتقدّم من معالي الأخ خالد المحيسن بأحرّ التهاني وأصدق التمنّيات بمناسبة تعيينه رئيسًا جديدًا للهيئة،
مباركًا له الثقة الكبيرة التي أولاها إياه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حفظه الله، وراجيًا من المولى عزّ وجلّ أن يسدّدَ خُطاه ليكون خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد.
وأضاف: لقاؤنا اليوم جزءٌ لا يتجزأ من مسار عالميّ مشترك في مواجهة آفة الفساد، هذه الآفة الخطيرة التي تتهدّدُ الدولَ الغنيّةَ والفقيرةَ على حدٍّ سواء،
فتُبطئ عجلةَ التنمية، وتمتهِنُ كرامةَ الإنسان، وتدكُّ أسسَ العدالة الاجتماعية، وتدفعُ الشبابَ إلى التطرّف والجريمة، وتؤدي، حيثما تستشري، إلى زعزعةِ استقرار المجتمعات وإشعالِ صراعاتٍ مدمّرة.
الفاعلية في مواجهةُ الفسادِ تحتاج الى شجاعةٍ سياسيّةٍ ومعرفة فنيّة متخصّصة، وتقتضي تعاونًا وثيقًا بين كافة الأطراف المعنيين، من قطاع عام وقطاع خاص ومجتمع مدني، من أجلِ وضعِ وتنفيذِ استراتيجيّاتٍ وطنيّةٍ منسّقةٍ وفعّالةٍ.
وقال :لا يخفى على أحدٍ الوضعُ الصعبُ الذي يمرُّ بهِ بلدي لبنان، ولا أشكُّ أنّ الفسادَ أصلٌ في معضلتِنا، إذ أنّه باتِ يشكّلُ تهديدًا مباشرًا لكيانِ الدولةِ وتماسكِ المجتمع،
لذا فإنّنا حريصون على الاستفادةِ من التجاربِ والخبراتِ العربية والدولية، وعلى بناءِ الشراكات اللازمة للتعامل مع هذا التهديد بشكلٍ أكثرَ فعاليّة،
وقد قامت الحكومةُ، بالتعاونِ مع برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، بإنشاء لجنةٍ وطنيةٍ تعملُ على وضعِ استراتيجيّةٍ متكاملةٍ لمكافحةِ الفساد، وتتابع التزامات لبنان الإقليمية والدولية في هذا المجال،
وبموازاةِ ذلكَ يعملُ المجلسُ النيابيّ على وضع سلّةٍ من التشريعات ذات الصلةِ، من بينِها إقتراحُ قانونٍ لإنشاءِ هيئةٍ وطنيّةٍ لمكافحةِ الفساد.
وقد قمتُ بعد أن تولّيتُ منصبَ وزيرِ العدلِ مطلعَ العام الماضي بالإفصاحِ عن ثروتي وثروة زوجتي وأولادي، وقدّمتُ مقترحاتٍ لتفعيلِ قانون مكافحة الإثراء غير المشروع، وأعلنتُ نيّتي العملَ على توفيرِ كلّ الدعمِ لإحداثِ نقلةٍ نوعيّةٍ في القضاءِ اللبنانيِّ لما لهُ من دورٍ محوريٍّ في مكافحةِ الفسادِ وتعزيزِ ثقةِ الناسِ في الدولة.
لكنّ النجاح في مواجهة الفساد، أيّها الحضور الكريم، لا يتوقف على جهة بعينها، فهو "مسؤولية الجميع" فعلًا،
وبالتالي فإنّه يتطلّبُ تضافر جهود كافة الجهات المعنية، ولعلّ من اهمّها، على المدى الطويل، هو المجتمع المدني – موضوع جلستنا هذه.
وتابع ريفي :لعل من نقاط قوتنا في لبنان وجود مجتمع مدني عريق وناشط، حرصت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على توفير بيئة قانونية مناسبة له، مستندة بذلك إلى الإرث الفكري والحضاري المتراكم طوال قرون،
وقد عبّرت "إتفاقية الأمم المتّحدة لمكافحة الفساد" عن أهميّة إشراك المجتمع المدني في أكثر من مادة، ومن أهمّها المادة 13 التي دعت الدول الأطراف الى اعتمادِ تدابيرٍ محدّدةٍ في هذا المجال،
وقد دعم لبنان، وما يزال، التوجّه نحو توسيع المساحة المتاحة لمشاركة المجتمع المدني في مؤتمر الدول الأطراف في الاتفاقية، إيمانًا منه بأهمية هذا الدور وبمبدأ المشاركة بشكل عام.
وتحرصُ "الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد" على تجسيد هذا المبدأ في عملها – مبدأ المشاركة - إذ أنّها ومنذ قيامها في 2008، تقوم بتوفير مساحة مشتركة للجميع وآلية عمل فريدة لدعم التعاون بينهم. وتضمُّ الشبكة في عدادِها 45 وزارة وهيئة من 17 دولة عربية، و20 منظّمة مستقلة من المجتمع المدني والقطاع الخاص والمجال الأكاديمي، بالإضافة إلى عضوين مراقبين من حكومتي البرازيل وماليزيا.
وقد نجحت حتى الآن في تدريب أكثر من 800 مسؤول وناشط من 19 بلدًا عربيًّا، ويسّرت تبادل الخبرات والتجارب بين الأقران، ومكّنت 10 دول عربية من تطوير سياساتها وقوانينها ومؤسساتها ذات الصلة.
وبالفعل، فإن منطقتنا تشهد بعض التقدّم في هذا المجال، وإن كان لا يرقى بعد إلى تطلعاتنا، وأعطي مثالًا مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، والذي يبيّن أن 11 دولة عربية حسّنت علامتها على المؤشر منذ 2010، ولكن المعدّل العربي يبقى أدنى من نظيره العالمي الذي لم تتخطّاه إلا 7 دول عربية بينها المملكة العربية السعودية.
ودعا ريفي المجتمع المدني الى تحمل مسؤوليته في مكافحة الفساد وقال : يتحمّلُ المجتمعُ المدني مسؤوليةً كبرى في بناءِ ثقافة النزاهة ونبذِ الفساد، ولكنّه يحتاجُ إلى دعمِ الدولة التي يجب أن تهيّىء له الظروف المناسبة ليعمل في أمان وحرية. ومع الحرية تأتي المسؤولية، فلا بد لمؤسسات المجتمع المدني أيضًا أن تعطي المثال الصالح في المهنية واحترام مبادئ الشفافية والمساءلة.
وقد أصدرت الشبكة العربية في مؤتمرها الوزاري الثالث المنعقد في مدينة فاس في المغرب بتاريخ 19-21 يناير / كانون الثاني 2011، "خلاصات إقليمية" تدعو فيها إلى ترسيخ المشاركة المجتمعية في مكافحة الفساد، ودعت الى عدة أمور منها:
· تيسير إنشاء مؤسسات المجتمع المدني وضمان حرية عملها ضمن أحكام الدستور والقانون ...
·حماية الحق في الحصول على المعلومات وإطلاع الجمهور بشكل منتظم على المسائل المتعلّقة بالمال العام ...
·توفير أطر فعالة لتقديم الشكاوى والتبليغ عن الفساد وحماية من يقوم بذلك…
·اعتماد مبدأ التشاور بشأن السياسات العامة وإيجاد آليات خاصة لإشراك أصحاب المصلحة …
·توعية المواطنين على حقوقهم وواجبتهم ليمارسوا المساءلة الإجتماعية بشكل فعّال …
ولم تكتفِ الشبكةُ العربيّةُ بتقديمِ التوصيات لأجل ترسيخِ المشاركةِ المجتمعيّةِ في مكافحةِ الفساد، بل باشرَت العمل على دعم تنفيذها على أرض الواقع، فدرّبت المعنيين على المعايير الدولية والإقليمية ذات الصلة، وعرّفتهم على التجارب المقارنة، وساندتهم في بلورة مقترحات إصلاحية محدّدة، وذلك في عدة بلدان أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الأردن وتونس وفلسطين ولبنان والمغرب، وستستمر الشبكة العربية في هذا الإتجاه، إنشاءالله، لأننا مقتنعون بأن لا مستقبَل لأولادِنا في هذه المنطقةِ مع بقاءِ الفساد.
وبعد الجلسة أثنى رئيس ادارة منظمة السعفة والقدوة الحسنة، الامير تركي بن عبدالعزيز بن عبدالحمن آل سعود على كلمة الوزير ريفي، لجهة مبادرته يوم تسلمه وزارة العدل، الى التصريح علناً عن ممتلكاته،كما أثنى على اقتراح ريفي تعديل قانون الاثراء غير المشروع بحيث يصبح لزاماً على كل من يتسلم المسؤولية العامة أن يصرح عن ممتلكاته علناً .
وبعد انتهاء الكلمات شهد المؤتمر نقاشاً حول مكافحة الفساد،وفي معرض اجابته على سؤال لأحد الحضور حول تعديل قانون الاثراء غير المشروع، قال ريفي : كنا نعرف أن هذه المبادرة ستواجه باعتراضات في البداية، لكننا متأكدون أن الشعب اللبناني تواق الى مسؤولين لا يشوب سلوكيتهم اية شائبة، وأضاف :أتذكر أن غاندي الذي سعى للاصلاح في مجتمعه كان يقول:"في البداية يتجاهلونك ثم يستهزئون بك،ثم يهاجمونك وفي النهاية تنتصر".